قالت: أكثر دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ثم قال: يا أم سلمة، إنه ليس من آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، ما شاء أقام وما شاء أزاغ". إن كان أكثر دعاء خير البشر هو طلب تثبيت القلب على الدين وطاعة الله، فما نقول نحن إذن؟ الأمر يبدو غاية في الأهمية والخطورة كذلك، فلا أحد منا يضمن نفسه وما سيكون بعد حين من الدهر قصير.
ما سمينا القلب قلبًا إلا لأنه يتقلب ولا يستقيم على حال، كما عند أهل اللغة. قد تجدني اليوم غاية في الرضا عن أمر ما، فإذا بكلمة أو مشهد أو مشاعر متنقلة من هذا وذاك وتلك تؤثر علي، ثم يتراءى لي وجهًا جديدًا لذاك الأمر غير الذي عهدته، فيبدأ القلب إثر ذلك يستعد لرحلة انقلاب قريب وتغيير تدريجي لبناء موقف جديد تجاه ذاك الأمر. فإن لم يكن بهذا القلب من شحنات وكميات كافية من اليقينيات والمثبتات، فإن رحلة الانقلاب على ذاك الأمر ستمر سريعًا سريعًا ويتغير الموقف بالمثل سريعًا.
سيكون جميلًا لو أن القلب ينقلب على أمور حياتية سلبية أو سيئة، فإن مثل هذا الانقلاب محمود ومرغوب، لكن الطامة لو أنه كان على أمر في الدين. ها هنا يصبح القلب وانقلابه في خانة الشؤم والمشؤمين، وديننا الحنيف ينهي عن التشاؤم.
ضمن هذا السياق، يُنصح دومًا بعدم صناعة مواقف بناء على مواقف وآراء الآخرين الأحياء من البشر، علماء كانوا أم غيرهم، فإن أحدهم لا يؤمن عليه من الفتنة أو انقلاب القلب عنده، فتجد نفسك في حرج بالغ بسبب ذاك التغيير، فتكون مضطرًا على هدم ما صنعته، وبالتالي لابد من أن يدفعك هذا دومًا إن شئت في بناء وصناعة موقف شخصي لك، أن تختار المواقف السليمة الصحيحة، لأناس هم عند ربهم الآن، إذ من المؤكد أن مواقفهم لن تتغير.
إنها دعوة إذن لعدم التشبث بأصنام أو أوثان على شكل بشر أو أقوال ونظريات وأفكار وغيرها، وليحرص كل منا على أن يظل قلبه حيًا واعيًا حذرًا من الميل والزيغ، بكثرة الدعاء والابتهال إلى مقلب القلوب، ليهدينا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.