وأغلب الناس قد يَسْتعظم الاعتداء على النُّفوس والأبدان، لكن يَسْتَسهِلون الاعتداء على الأموال والأعراض، ويُسوِّغون ذلك بِحُجج واهية، فربَّما اعتدوا على أراضي الناس، فيَدْخلون في قول النبي: (مَن أخذ شبرا من الأرض ظلما، فإنَّه يُطَوّقه يوم القيامة من سبع أرَضين).
وربما غيَّروا مراسيم أراضي جيرانهم، أو الطُّرق؛ ليأخذوا جُزْءا من الأرض ليس لهم، فيستحقُّون لعنة الله، فعن عليِّ بن أبي طالب أنه أتاه رجل، فقال: ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إليك؟ فغَضِب، وقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إليَّ شيئًا يَكْتُمه الناس، غير أنه قد حدَّثَني بكلمات أربع، قال: فقال: ما هُنَّ يا أمير المؤمنين؟ قال: قال: (لعَن اللهُ مَن لعن والِدَه، ولعن الله من ذبَح لغير الله، ولعن الله من آوى مُحْدِثًا، ولعن الله من غيَّر منار الأرض).
وربَّما جحَد بعض الظَّلمة الحقوق التي عليهم إذا لم تكن موثَّقة بشهود، ونسوا شهادة أعضائهم عليهم يوم القيامة.
مِن أعظم ظُلْم الناس أَكْلُ أموال اليتامى، والاستيلاء عليها بغير حق، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرا )، هل يَرْضى الظَّالم هذا لأولاده الصِّغار؟ فليتمثَّلْ نفسه بأنه مات، وخلَّف ذُرِّية صِغارا لا يستطيعون دَفْع الظلم عنهم، قال الله تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدا).
فلْيُعامِل الأيتامَ بما يحب أن يُعامَل به أولادُه الصِّغار بعد وفاته.
ومِن الظُّلم ظلم الخَدَم والعُمَّال بتحميلهم من الأعمال أكثر من طاقتهم، ومن ظلم الخدم والعُمَّال إعطاؤُهم رَدِيء الطَّعام واللِّباس، ومن ظُلْم الخدم والعمَّال إركابهم في أماكن سيِّئة في السيارة، مع وجود مكان حسَن، كمن يركبهم في صندوق السيارة أو (الشنطة)، مع خُلوِّ المقدِّمة! عن المَعْرُور بن سُويْد قال: رأيتُ أبا ذرٍّ الغِفاريَّ رضي الله عنه وعليه حُلَّة، وعلى غلامه حلة، فسألناه عن ذلك، فقال: إنِّي سابَبْتُ رجلاً، فشَكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: (أعيَّرْتَه بأُمِّه)؟ ثم قال: (إنَّ إخوانكم خوَلُكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن كان أخوه تحت يَدِه فلْيُطْعِمه ممَّا يأكل، ولْيُلْبِسه مما يَلْبَس، ولا تكلِّفوهم ما يغلبهم، فإن كلَّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم ).
مِن ظُلْم الخدم والعُمَّال احتقارُهم والاستخفاف بهم، وهذا ناتج عن ضعْفِ العقل، وعدَمِ شُكْر النِّعمة، أليس الذي خفضهم في الدُّنيا بقادر على أن يرفَعَهم ويخفضك؟ بلى، ولو سألْتَ بعض كبار السِّن لأَخْبروك أن أباء أولئك الذين تحتَقِرهم كان أجدادُك يَعْملون عندهم ويقصدون بلادهم طلبًا للرِّزق والتِّجارة، ولكنها حكمة الله في المُداولة، ولو لم يَرِد في احتقار العُمَّال والخدم إلاَّ قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (بِحَسْبِ امْرئٍ من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم )، لكفَى به زاجرا.