وفي مخالطتك لبعضِ الناسِ تتعجبُ من وجودِ بعضِ المفاهيمِ الغريبة التي يتحمسون لها وتشعر أنها جزء من شخصيتهم .
وربما تشاهدُ مقطعاً يتحدث عن مفهومٍ غريب ويريدُ صاحبه تربية المجتمع عليه .
واليومْ سوف نتجول في بعضِ تلك المفاهيم الخاطئة ونناقشها على ضوءِ الكتابِ والسنة .
وهذا هو الأصلُ الذي توزنُ به الأمور .
قال الله تعالى " فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ".
1- فمن المفاهيم الخاطئة " أن الاستشارة دليل ضعف التفكير ".
وهذا قد يوجد عند بعض الناس الذين لا يستشيرون ويزعمُ هؤلاء أن الاستشارة إنما تكونُ للشخصِ ضعيفَ الفهمِ وناقصَ العقل .
وهذا جهلٌ عند صاحب هذا الكلام؛ لأن الاستشارة هي الاستفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم في أي تخصصٍ كان .
وهي مفتاحُ النجاحُ في تجارتك ودراستك ووظيفتك وأسرتك وفي كل شيء .
وكلما رأيتَ الشخصَ يستشيرُ العقلاء رأيتَ التوفيقَ في حياته .
ومن زاويةٍ أخرى فإن نبينا صلى الله عليه وسلم هو سيدٌ في بابِ الاستشارة فكان يستشيرُ أصحابَه كثيراً ، بل أمره الله بذلك ، فقال جلَّ وعز " وشاورهم في الأمر ".
ومن زاويةٍ ثالثة نقول : إن الذي لا يستشير يفقدُ كثيراً من عناصر الخبرة والنجاح في حياته وهو معرضُ للخطأ وربما لعدة خسائر في دينه أو دنياه .
وكم من شخصٍ لم يستشر فدخل في مساهماتٍ أو تجارات ظنّ أنها تجلبُ له الرزق فإذا به يقع في خسائرَ مالية جلبت له الحزن والهم والحسرة .
وكم من رجلٍ وقع بينه وبين زوجتهِ خلاف ولم يستشر العقلاء في حل ذلك الخلاف وإذ به يقع في مشكلات الطلاق وماوراء ذلك من الهموم والحسرات .
2- ومن المفاهيم الخاطئة " الاعتقادُ بأن تربيةَ الأبناءِ والبنات إنما تكون في الرعاية المالية والترفيه فقط ".
وهذا المفهوم قد يوجد عن بعض الآباء والأمهات وإن لم ينطقوا به .
تجد هؤلاء ينفقون على أولادهم في المطاعم والترفيه والملابس والسفر هنا وهناك ويظنون أن التربية تنتهي هنا .
وغفلَ هؤلاء عن غرسِ القيمِ والآدابِ في نفوسِ أولادهم .
أيها الأب ، إن ابنك كالاسفنجة بين يديك ينتظر منك أن تضع فيه ما يلتصق فيه من خير أو شر .
اغرس الخير ، وعلِّم أولادك ، واشتغل على تربيتهم على أمور الدين وماينفعهم من أمور دنياهم .
إياك أن تظن أن ولدك يحتاجُ إلى مالك فقط أو إلى جوال أو إلى انترنت مفتوح في البيت .
إنهم بحاجةٍ إلى معلوماتٍ تربوية وقصصٍ هادفة وجلسةٍ عاطفية وكلماتٍ دينية .
3- ومن المفاهيم الخاطئة " أن بعض الناس يظن أن الإسراف في الولائم جزء من الكرم والجود " .
وهذا والله من مصائبِ زمننا .
حدثني أحد الإخوة عن مناسبةٍ حضرها وإذ بالوليمة ثلاثة من الإبل وحولها عشرة من الغنم .
ما هذا التبذير والإسراف ومن سيأكل كل هذا ؟ .
ألم يقلِ اللهُ تعالى: " ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ".
أو ما سمعتم بقوله تعالى: " إنه لا يحب المسرفين ".
إن البعضَ منّا ما زال يتكلفُ في الضيافة حتى إنك تكره أن تزوره .
وربما قصرنا نحن في استضافة الآخرين لعدم قدرتنا على أن نفعل مثلهم في ذلك التكلف .
فوصيتي لكم " الكرم بما تجودُ به النفس ولو من صنع بيتك ، ودعوا التكلف جانباً وخاصةً في المناسبات البسيطة ".
كونوا قدوةً في الكرمِ الذي ليس فيه تبذير .
4- ومن المفاهيم الخاطئة " أن الحياةَ الزوجية هي علاقةُ عفافٍ وقضاءٍ للشهوة فقط ".
وهذه نظريةُ بعضِ الشباب المقبلين على الزواج ، ويغفلْ هؤلاء عن الأخلاق التي يجبُ أن يراعيها الرجلُ مع زوجته .
يغفلُ عن الشراكة مع زوجته في بناءِ أسرةٍ صالحة تتربى على القيم والأخلاق .
ولذلك تجدُ بعضَ هؤلاء الشباب بعد زواجهم بأسابيع يمارسون طبيعة حياتهم قبل الزواح .
فيعودُ ذلك الشاب للسهرِ كلَّ ليلة مع الشباب .
ويخرج باستمرار من البيت، وربما قصر في جلوسه مع زوجته .
ولعله غيرَ مقتنع أصلاً بالجلوس معها .
وربما صرف كثيراً من ماله للشباب في الاستراحات والسفر معهم هنا وهناك .
وحينما تعاتبه زوجته على تقصيره إذ به يقابلها بالسب والكلام البذيء وربما ضربها .
5- وإن من المفاهيم الخاطئة " التساهل في كسبِ المال من الطرق المحرمة ".
ويقول صاحبنا إن ظروفي المالية صعبة وأنت لا تعلم بظروفي .
فالجواب : اعلم بارك الله فيك أن من صورِ البلاء ، الابتلاء بنقص المال .
قال تعالى " ولنبلونكم بشي من الخوف والجوع ونقص من الأموال ".
ولكن لا يصح أن تتعامل مع هذا البلاء بالتساهلِ في طرق كسب المال .
إن التساهل في القرض الربوي أو بعض صور البيع المحرمة التي قد توجد في بعض معارض السيارات ونحو ذلك ، كل ذلك يمحقُ بركةَ المال ويعرضك لعقوبة الله في الدنيا قبل الآخرة .
قال تعالى: " يمحق الله الربا ". وقال صلى الله عليه وسلم : لعن الله آكل الربا ..".
يا من يتساهل في المال الحرام ، إنك ستموت وحدك وتدفن لوحدك وتقف بين يدي الله لوحدك وسيسألك الله عن كلِ الأموالِ التي اكتسبتها " من أين أخذتها وفيم أنفقتها ".
لا أولادك ولا زوجتك ولا زملاءك سيدافعون عنك يوم القيامة، أين مالك المحرم الذي اختلسته في تلك المعاملة ؟
أين مالك المحرم الذي بنيتَ به بيتك واستقبلتَ فيه ضيوفك ؟ أين ثناءَ الناسِ على عقاراتك وتجاراتك التي بنيتها من حرام ؟.
كل ذلك لن يكون معك يوم القيامة .
إني لك من الناصحين ، تب إلى الله من المال الحرام ، وابحث عن الرزق الحلال .
وتذكر قول الله تعالى: " ومن يتق الله يجعلْ له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب".