جنبت وزارة المالية الحكومة أية مواجهة محتملة مع المواطن، بفعل مشروع قانون المالية بداية السنة القادمة، حيث تعمدت التمديد من عمر السلم الاجتماعي والهدنة، رغم شح الموارد المالية والأزمة التي تواجهها الحكومة، وعدا الزيادة في تسعيرة كل أنواع الوقود والرسم على الثروة الذي لا يعني سوى الأثرياء، أوجدت ممرات خاصة وهوامش تحرك لترفع من التحصيل الضريبي بطريقة غير مباشرة ودون أن يشعر المواطن.
فمشروع قانون المالية لسنة 2018، الذي أكد وزير المالية عبد الرحمان راوية أنه لم يحمل ضرائب جديدة على المواطن، تضمن عدة تدابير جبائية ترمي إلى تأطير وضبط بعض النشاطات، وتشديد الرقابة على إيرادات الشركات الوطنية والأجنبية وكذا الأجنبية غير المقيمة بالجزائر، فقد أقر المشروع الذي سيعرض للمصادقة بالمجلس الشعبي الوطني، الأسبوع القادم، في مجال التسجيل رسما على الإشهار العقاري يتعلق بالإجراءات على مستوى المحافظات، تحتسب بنسبة تتراوح بين 0.5 إلى 1 في المائة من قيمة العقار بالإضافة إلى الرسوم المالية الثابتة، ويتعلق الأمر، حسب المادة 353 مكرر 1 و2 من قانون المالية، بالعقود والقرارات القضائية المتضمنة نقل أو تكوين أو تصريح بحق ملكية عقارية، أو قيد الرهون القانونية أو الاتفاقية أو حقوق التخصيص الرهني، بالإضافة إلى عقود الاستبدال والتخفيض والشطب الكلي أو الجزئي.
وعلى هذا الأساس، يفرض على الإشهار في السجل العقاري رسم 1 في المائة تحسب على قيمة العقار أو العقارات المصرح بها في الوثيقة التي تشهر بالنسبة للعقود، أو الأحكام القضائية المتضمنة أو المعاينة بين الأحياء نقل أو تأسيس الحقوق العينية العقارية المشاعة وغير المشاعة، وكذا عقود الوعد بالبيع، ويجب أن يذكر فيها تحت طائلة الرفض سعر البيع المتفق عليه والأجل المحدد من قبل الأطراف.
ومن ناحية أخرى، يفرض رسم 0.5 في المائة من قيمة العقار بالنسبة للعقود والقرارات القضائية التصريحية والقسمات كما تطبق على الإيجارات والوصلات والتنازلات على أجور الكراء والمزراع، إلى جانب رسم ثابت قدره 6000 دينار لقيد الرهون القانونية والاتفاقية أو حق التخصيص الرهني وكذا عقود الاستبدال والتخفيض والشطب، ورسم ثابت قدره 2000 دينار يفرض على شهادات نقل الملكية عن طريق الوفاة وكذا التصريحات أو الاختيار بالمزايدة الحقيقية. هذا الرسم وإن كان لا يمس المواطن في جميع الحالات، يجب الإشارة إلى أن تأثيره سيظهر كلما أقبل المواطن على عملية من العمليات العقارية المذكورة.
شركات الخدمات الأجنبية غير المقيمة تحت المجهر
بالمقابل، نصت المادة 163-1 على أنه يترتب على عدم تقديم التصريح المنصوص عليه في المادة 162 الفقرة 1 في الآجال المقررة في نفس المادة، فرض غرامة قدرها 01 مليون دينار أي 100 مليون سنتيم وترفع هذه الغرامة إلى 10 ملايين دينار أي 01 مليار سنتيم، اذا لم يصل الكشف المفصل للمبالغ المدفوعة. وتنص الصياغة للمادة 163 على فرض غرامة قدرها 25 في المائة في حالة عدم ايداع التصريح السنوي في الآجال من طرف الشركات الأجنبية التي تنشط بصفة مؤقتة في الجزائر، من أجل تنفيذ عقود تأدية الخدمات prestation de service أي أنها تشمل العديد من الشركات التي تنشط في مجال الاستشارات والدراسات وغيرها وترفع هذه الغرامة إلى 40 في المائة، إذا لم يودع المكلف بالضريبة الكشف المفصل للمبالغ المدفوعة بعد الإشعار، ورغم اعتبار معدي المشروع بأن الغرامة جد معرقلة، لأنها لا تفرض لعدم الدفع أو اعادة صب الاقتطاع من المصدر المقدر بـ24 في المائة، بل بغرض وحيد هو تهاون ملحوظ وعدم ايداع التصريح في الآجال المحددة حتى عندما تتم الاقتطاعات ويعاد صبها في الآجال المحددة، علما أن الإخلال في دفع الاقتطاع يترتب عنه أيضا دفع غرامة بـ25 في المائة، حيث يكون صاحب المشروع مسؤولا بالتضامن مع الشريك الأجنبي.
كما استهدفت الحكومة مصانع تركيب السيارات وفرضت عليها غرامة في حال الإخلال بإلتزماتها سواء في آجال التسليم ونسبة الإدماج الوطني، كما لعبت الحكومة على وتر رفع الرسم على اسعار التبغ بحوالي 10 بالمائة، الأمر الذي سينتج زيادة في أسعارها عند نفس النسبة أو أكثر، إلى جانب رفع الرسم على المواد الكحولية، وبذلك أصابت الحكومة عصفورين بحجر واحد، فمددت من عمر السلم الإجتماعي بتجنب فرض رسوم مباشرة على المواطن، كما خصصت 17 مليار دولار تحويلات إجتماعية أي 170 ألف مليار سنتيم لمواصلة سياسة الدعم، بينما ضمنت في الوقت نفسه مصادر جديدة لجعل عائدات الضرائب عند نهاية السنة 3000 مليار دينار، وهو رقم لأول مرة تسعى الحكومة لتحقيقه، وذلك باعتماد سياسة الضرائب غير المباشرة، وإقرار أسلوب جديد لضبط بعض النشاطات، وتشديد الرقابة على إيرادات الشركات الوطنية والأجنبية من خلال جعلها مرتبطة برسوم وتعريفات.