تُبيِّن هذه السّورة لك طريق سعادتك، وترشدك إلى السَّيْر الّذي يعود عليك بالحُسنى في دنياك وآخرتك. وقد بيَّن تعالى في مبدأ السورة طائفة من الآيات الكونية تعريفًا لك بعظمة مَن يرشدك ويهديك وبيانًا لفضله الواسع عليك. فمَن الّذي أوجد لنا هذا النِّظام، وجعل اللّيل سكنًا، والنّهار مُبصرًا؟ ومَن الّذي أوجد الأرض على هذا الحال من التكوُّر، وجعلها تدور حول نفسها، فكان من ذلك اللّيل والنّهار، وبهذا نستطيع أن نستمر في سعينا وأعمالنا، ونتمتَّع بما أعطانا ربُّنا. ففي {وَاللَيْلِ إِذَا يَغْشَى} أي: إذا هو غطَّى الأرض بظلامه: سكونٌ وهدوء، وذلك ممّا يساعدنا على الرّاحة والاستسلام للنّوم، وفي اللّيل الرطوبة وبرودة الجو، وفي ذلك ما فيه من الفوائد للإنسان والحيوان ومعونة النّبات على النّماء، وفي اللّيل فوائد شتّى مهما عدَّدت منها فأنتَ عاجز عن درك جميعها. كما ينطوي تحت كلمة {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} أي: إذا ظهر وبدا معانٍ شتى. ففي النّهار يظهر لك ما خلقه لك ربّك من موجودات، وفي النّهار بما فيه أيضًا من حرارة وضياء ينمو النّبات وتنبت الحبوب وتنعقد الأزهار وتنضج الفاكهة والثّمرات، وفي النّهار فوائد لا يحصيها غير خالقها وموجدها. وبعد أن ذكر لنا تعالى اللّيل والنّهار وما يدلّ عليه خلقهما من نظامٍ وإحكام، أراد تعالى أن يرينا من آياته آية أخرى، فقال تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} فالحيوانات والحشرات والطيور والأسماك والنّبات والإنسان: من كلّ نوع من هذه الأنواع خلق اللّه تعالى زوجين اثنين. وإنّك إذا ذهبت تبحث وتوسَّعت في البحث وجدتَ هذا النّظام يتعدّى ما ذكرنا فيشمل ما يُسمُّونه بالجَمادات وغير ذلك ممّا تشهده ويقع نظرك عليه، فمِن كلّ شيء خلق اللّه تعالى زوجين اثنين وجعل بينهما تآلفًا وتجاذبًا، وجعل لكلّ منهما ما يناسبه ويحتاج إليه لتنظيم الحياة، وليستمر الوجود والبقاء، ولتتم عليك النّعمة والإحسان.