يقول الله وهو أصدق وأعزّ القائلين: {وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرزُقهُ مِن حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}. ومعنى الآية: ومَن يتّق الله فيما أمره به، وترك ما نهاه عنه، يجعل له من أمره مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي: من جهة لا تخطر بباله. فكلّ مَن اتّقى الله تعالى ولازم مرضاة الله في جميع أحواله، فإنّ الله يثيبه في الدّنيا والآخرة. ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجًا ومخرجًا من كلّ شدّة ومشقّة، والعكس كذلك حاصل؛ فمَن لم يتق الله وقع في الشّدائد والمضايق والأغلال الّتي لا يقدر على التخلّص منها والخروج من تبعتها. وهذه أقوال لبعض السّلف في بعض معاني هذه الآية الكريمة العظيمة: قال ابن مسعود: إنّ أكثر آية في القرآن فرجًا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} والمعنى أن يعلم أنّه من عند الله، وأنّ الله هو الّذي يعطي ويمنع. وعن ابن عباس: يُنجيه من كلّ كرب في الدّنيا والآخرة. وهذه القاعدة العظيمة وردت في ثنايَا أحكام الطّلاق؛ لذا قيل: إنّها في الطّلاق خاصة، ومعناها: من يتّق الله فيطلق طلقة واحدة، حسبما تقتضيه السنّة يجعل له مخرجًا بجواز الرّجعة متَى ندم على الطّلاق. وقال أكثر العلماء: إنّها على قاعدة عامة لكلّ المجالات والشّؤون، أي مَن يتّق الله في أقواله وأفعاله يجعل له مخرجًا من كرب الدّنيا والآخرة، وهذا أرجح لأوجه، أحدها: حمل اللّفظ على عمومه فيدخل في ذلك الطّلاق وغيره. الثاني: أنّه روي أنّها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، وذلك أنّه أسر ولده وضيّق عليه رزقه، فشكي ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمره بالتّقوى، فلم يلبث إلاّ يسيرًا حتّى فرّ ولده من السّجن، ووسّع الله رزقه. والثالث: أنّ قوله: {وَيَرزُقهُ مِن حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}، لا يناسب الطّلاق وإنّما يناسب التّقوى على العموم. “ولكن إلصاقها هنا بأحكام الطّلاق يوحي بدقّة انطباقها وتحقّقها عند ما يتّقي المتّقون الله في هذا الشّأن بصفة خاصة. وهو الشّأن الّذي لا ضابط فيه أحسّ ولا أدقّ من ضابط الشّعور والضمير، فالتّلاعب فيه مجاله واسع، لا يقف دونه إلاّ تقوى الله وحساسية الضمير”.
كلمات دلالية :
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجًا