أمر اللّه سبحانه وتعالى المؤمنين بأنْ يذكروه ذِكْرًا كثيرًا، ومَدَحَ مَن ذكره كذلك؛ قال تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللّه ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الأحزاب:41-42، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللّه كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الجمعة:10، وقال سبحانه: {وَالذَّاكِرِينَ اللّه كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللّه لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} الأحزاب:35، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّه قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} آل عمران:191.
والذِّكر لذَّة قلوب العارفين، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّه أَلا بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرّعد:28. قال مالك بنُ دينار: ما تلذَّذ المتلذّذون بمثل ذكر اللّه تعالى. وقلوبُ المحبِّين لا تطمئنُّ إلاّ بذكره، وأرواحُ المشتاقين لا تَسكُنُ إلاّ برؤيته، قال ذو النون المصري: ما طابتِ الدُّنيا إلّا بذِكره، ولا طابت الآخرةُ إلّا بعفوه، ولا طابت الجنَّة إلاّ برؤيته.
كان العارف باللّه أبو مسلم الخولاني كثيرَ الذِّكر، فرآه بعضُ النّاس، فأنكر حالَه، فقال لأصحابه: أمجنون صاحبُكم؟ فسمعه أبو مسلم، فقال: لا يا أخي، ولكن هذا دواءُ الجنون. وكان بعضُ السَّلف يُصلِّي كلَّ يوم ألف ركعة حتّى أُقعِدَ من رجليه، فكان يُصلّي جالسًا ألف ركعة، فإذا صلّى العصر احتبى واستقبل القبلة، ويقول: عجبتُ للخليقة كيف أَنِسَتْ بسواك، بل عَجِبْتُ للخليقة كيف استنارت قلوبُها بذِكر سِواك.