يدق أولياء التلاميذ ناقوس الخطر، بعدما ألقت الحركة الاحتجاجية للأساتذة بظلالها على التلاميذ، الذين ضيعوا عديد الدروس التي لا يمكن استرجاعها، بحكم المدة القصيرة التي تفصلهم عن نهاية السنة الدراسية، كما أدى هذا الفراغ الذي يتخبطون فيه لإقدام بعضهم على خداع أوليائهم وإيهامهم بأنهم داخل أسوار مدارسهم في وقت يسرح ويمرح بعضهم خارجها بفعل ما يحلو له بدون حسيب أو رقيب، وفيما يبقى المستفيد الوحيد من الإضراب أساتذة الدروس الخصوصية الذين تضاعف عدد المقبلين عليهم، خاصة من تلاميذ المرحلة النهائية في التعليم الثانوي وشهادة التعليم المتوسط، فإن طريقة استثمار التلاميذ لوقتهم تختلف من واحد لِلآخر.
"الشروق" تقضي ساعات رفقة تلاميذ الثانويات المضربة:
أحاديث "العشق الأسود" و"الداربي" وتلاميذ يرمون الكراس ويعملون كـ"مانوفر"
خطفت المفاوضات التي تدور بين وزيرة التربية والنقابات أنظار تلاميذ الثانويات، الذينينتظرون بفارغ الصبر ما ستسفر عنه، متمنين عودة المياه إلى مجاريها سريعا حتى يتمكنوامن اجتياز امتحانات الفصل الثاني مثل زملائهم، فيما يحلم آخرون باستمرار الإضراب لأشهرأخرى ليستريحوا من عناء الدراسة. "الشروق" تغلغلت في صفوف تلاميذ ثانويات حسينداي والقبة ورصدت بعض يومياتهم خلال الإضراب.
تباينت مواقف التلاميذ في المؤسسات المضربة واختلفت بين مرحبين بالإضراب وآخرينشمروا على سواعدهم وأقبلوا على الدروس الخصوصية لتعويض الدروس الفائتة، بدايةجولتنا كانت من ثانوية بلكين في حسين داي، كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا، عندمافضلت مجموعة من التلاميذ أغلبهم من الإناث الدخول للثانوية فيما بقي آخرون عند بريدحسين داي ينتظرون اتصالا أو رنة من زملائهم ليخبروهم إذا تم استئناف الدروس أم لا.
اقتربنا من "محمد" تلميذ في السنة الثانية ثانوي تخصص آداب وفلسفة، كان يلعب بهاتفهالنقال قال: منذ بداية الفصل الثاني لم ندرس بشكل مستمر، في البداية قرر تلاميذ وأساتذةالثانوية الدخول في إضراب احتجاجا على غياب التدفئة في الأقسام تلاها إضراب آخرلـ"الكناباست" وهو ما يبرر خلو كراريسنا من الدروس، وأضاف المتحدث أنهم يمضون أيامالإضراب في التواصل على "الفايسبوك". أما زميله وهو معه في القسم فأخبرنا أنهم خلالهذا الإضراب يتجهون يوميا للجلوس في ساحة "لابلاسات" لغاية منتصف النهار ويلعبونألعابا مختلفة، وقد تنافسوا على تحطيم الرقم القياسي في لعبة "كاندي كراش" وهو يرغبفي أن يكون من الفائزين.
اتجهنا لساحة "لابلاسات" المحاذية لدائرة لحسين داي وهي ملتقى تلاميذ ثانويات حسينداي وجدناها تعج بالعشرات من التلاميذ، يجلسون في جماعات، بعضهم يتكهن بنتائجالداربي العاصمي الذي سيجمع نصر حسين داي بالجار العدو شباب بلوزداد، أما الفتياتفرحن يتحدثن عن مسلسل "العشق الأسود" وتطورات قصة عشق "عمر وايلين". في وقتوجدت العديد من الفتيات في الإضراب فرصة للتجول، حيث رحن يقصدن الفضاءات التجاريةالقريبة، تحكي لنا "ليليا" في القسم النهائي آداب وفلسفة، بأن فترة الإضراب تزامنت معالتخفيضات الكبرى "الصولد" لذلك اتفقت مع صديقاتها على أن يجتمعن قرب الثانوية فيحدود الثامنة والنصف ليذهبن للمراكز التجارية الكبرى، وعن الدراسة واستعداداتهاللبكالوريا ردت محدثتنا بأنها المرة الثانية التي تجتاز فيها الامتحان لذا فهي ليست متخوفةأبدا ولديها ملخصات العام الماضي لتراجع.
وإن كانت الفئة الأولى قد فضلت قضاء فترة الإضراب في اللهو والتجوال، فإن فئة أخرىاستغلت هذه الأيام في المراجعة في شكل مجموعات، وهو حال "مريم" التي تدرس فيالقسم النهائي شعبة العلوم، ارتأت أن تلتقي بصديقاتها المتفوقات في العلوم والفيزياءوالرياضيات حتى يراجعن معا مختلف الدروس ويتناوبن على حل التمارين وشرحها التياستعصت عليهن، وأضافت محدثتنا أنهن يقصدن الثانوية يوميا ويدرسن طيلة اليوم منالصباح إلى المساء، فالهدوء والعمل الجماعي يشجعانهن على التفكير وقد استطعن في هذهالفترة الوجيزة ـ على حد قولهن ـ مراجعة كل دروس الفصل الأول ونصف الفصل الثانيوعرضنها على أساتذة الدروس الإضافية لتصحيحها.
وجهتنا الثانية كانت ثانوية الإخوة حامية في القبة، كانت الأبواب موصدة، فيما جلس أقليةمن التلاميذ بجوار المحلات المقابلة، ومن خلال دردشة قصيرة مع "بلال" أكد لنا بأنالإضراب فرصة ذهبية بالنسبة لبعض زملائه الذين راحوا يمارسون نشاطات تجارية خلاله،من بيع للمطاريات في سوق بن عمار إلى الاشتغال كـ"مانوفر"، فعدم وجود الدراسة حولهمللتفكير في كسب قوت يومهم.
هكذا "يستمتع" التلاميذ بالعطلة التي منحها إياهم الأساتذة
بين المواعيد الغرامية.. "الزطلة" ومبارزات الكلاب
من أجل معرفة كيف يمضي التلاميذ يومياتهم، تجولت "الشروق" بعدد من المؤسساتالتربوية على مستوى ولاية بومرداس ومنها ثانوية الإخوة دراوي ومتوسطة "رحيل"بعاصمة الولاية ومتوسطة الشهيد العربي بن مهيدي بيسر، حيث التقينا عددا من التلاميذالذين بدت عليهم علامات التحسر نتيجة التأخر الواضح في برنامجهم الدراسي، خاصة فيالمواد الأساسية.
تقول "ابتسام" التي تدرس في الأولى ثانوي شعبة علوم، إنها اعتبرت نفسها وزملاءها،خاصة تلاميذ البكالوريا ضحايا التجاذب الحاصل بين الكناباست ووزارة التربية، وهو مادفعها لسؤالنا وكأن حل الأزمة بيد الصحافة قائلة "لماذا دخل الأساتذة في إضراب، وما هيمطالبهم؟"، لتبادر زميلة لها قائلة "بسبب السكن"، وفيما يفكر هؤلاء وآخرون بجدية فيالأمر خوفا على مصيرهم ومستقبلهم من حيث التحصيل العلمي الذي اعتبروه "بسيطا" حتىبدون الإضراب، فإن البعض الآخر اعتبرها فرصة "للحرية" وفعل ما يريد سواء تعلق الأمربالذكور أو الإناث. وفي هذا الصدد صارحتنا تلميذة أن من زميلاتها من جعلت من الإضراب"عيدا" وفرصة للالتقاء بصديقها بشكل يومي، حيث تقوم بعض التلميذات بضرب موعد معأصدقائهن والتوجه رفقتهم إلى الحدائق العمومية لقضاء الساعات التي يظن فيها أولياءهنأنهن داخل أسوار مدارسهن، وهو ما أكده لنا البعض من أن مصالح الأمن أوقفت منذأسبوع شبكة للفسق والدعارة داخل أحد المساكن ببلدية شرقية بالولاية والتي كانت تلميذةفي الطور الثانوي متورطة فيها وأوقفت هي وبالبقية وحوّلوا على العدالة، في وقت حوّلتلاميذ آخرون محلات الرئيس الفارغة بإحدى البلديات أيضا أوكارا لتعاطي المخدراتوالمهلوسات ولعب الدومينو.
تلاميذ الثانوي يقدمون دروسا خصوصية لتلاميذ الابتدائي!
أما بالنسبة لبعض التلاميذ الذين يضطرون لأن يستقلوا النقل العمومي لبلوغ مؤسساتهم،فإنهم فضلوا ادخار مصاريف النقل التي يتكبدها أولياءهم وقضاء الفترة الصباحية في النوم،ثم الخروج للتسكع في الشوارع والأسواق تمضية الفترة المسائية بمقاهي الانترنت أوتنظيم مباريات في كرة القدم، وفي ظاهرة جديدة ناتجة عن الفراغ أيضا، يقوم التلاميذ الذينيقطنون بحي تاقدمت بدلس بجلب الكلاب سواء الخاصة بهم أو الكلاب الضالة وخلق حلبةتتبارز فيها حيواناتهم هذه. ومن جهة أخرى اعتبر التلاميذ من عائلات محدودة الدخلالإضراب فرصة للعمل وكسب مصاريف من شأنها مساعدتهم وذلك بالعمل كباعة بالأسواقأو تقديم دروس خصوصية لتلاميذ الابتدائي، خاصة بالنسبة لتلاميذ النهائي، وبين هذا وذاكتباينت يوميات التلاميذ في الإضراب بين من فضل استثمارها في الدراسة بالمنزل ودعمهابالدروس الخصوصية وآخرين رضخوا لطيش المراهقة وأساءوا استغلال قرابة شهر.
"الشروق" تخترق الثانويات المضربة وتنقل حقائق مخيفة
تلاميذ بين "الكارطة" والفايسبوك وآخرون في "خرجات" بالشواطئ والغابات!
محاولة منها لرصد تبعات الحركة الاحتجاجية وتأثيرها على التلاميذ، أجرت الشروقاستطلاعا لمعرفة يوميات التلاميذ تزامنا مع الإضراب الذي يعرفه قطاع التربية، فكانتوجهتنا بعض الثانويات الكائنة بحي مرفال ووسط المدينة، حيث كانت صدمتنا كبيرة ونحننسمع على لسان جيل الغد ما يحدث خلف أسوار المؤسسات وحتى خارجها.
تلاميذ يغتنمون فرصة الإضراب لإجراء بطولة مصغرة "للكارطا"
ذكر لنا "سفيان" أنه يغتنم رفقة أصدقائه فرصة توقف الدروس، لينظموا بطولة مصغرة فيلعبة الورق، حيث يتجمع العشرات من التلاميذ حول الطاولة التي يتم توسيعها من خلالجمع طاولتين، ويكون المطلوب من الثنائي الذهبي كسب أكبر عدد ممكن من المبارياتليكون في الأخير الموعد مع التتويج إما بشراء قارورات رامي أو البيبسي وأحيانا أخرىشرائح البيتزا، وهو ما يعطي تلك المباريات حلاوة ومتعة، يضيف نفس المتحدث.
وإذا كان سفيان يقضي يوميات الإضراب في لعب "الكارطة"، يفضل انس ملء رصيدهبالهاتف النقال حتى يتمكن من الإبحار في عالم الانترنت بفضل خدمة الجيل الثالث التييحرم منها حين يكون في المنزل، وقد اهتدى هذا الأخير إلى وسيلة تجعله يعوض بعضالخسارة التي كلفته ملء رصيده، من خلال إيجار كما قال هاتفه لبعض زملائه مقابل 10دنانير لـ15 دقيقة، في حين يقضي ساعات وقته داخل القسم، أو حتى بالقرب من الثانويةفي الدردشة ومتابعة آخر صيحات السيارات الرياضية التي يعشقها حد الجنو .
مسابقات في الرقص على إيقاع "الواي واي" والمكالمات الغرامية دون لنقطاع؟
ويختلف الأمر مع الفتيات كثيرا اللواتي هناك من يجلسن لقص حكاياتهن وحكاياتالمسلسلات التركية، والتطرق بإسهاب للديكور الخلاب وحتى لجمال أبطال المسلسل، وهيالفرصة التي تجعل الكثير منهن أكثر رومنسية وبالتالي الاتصال بخلانهن والدخول فيدردشة هاتفية طويلة من خلال شراء بطاقة شحن بـ100 دينار وتشغيل امتيازات الرصيدالمجاني للغوص في مكالمات رومانسية مع الأحبة، في حين لم تجد زينب حرجا في الحديثعن هوايتها المفضلة رفقة زميلاتها وهي الاستماع للأغاني السوقية، وإجراء مسابقات فيالرقص الفاضح، وأحيانا يتم تصوير تلك الرقصات لاختيار أفضل راقصة، و لتي تكون الأكثرإتقانا لرقصة الآي آي أو الواي واي.
رحلات و"خرجات" إلى الشواطئ والغابات والأولياء كالأطرش في الزفة!
والأخطر من كل ذلك، ما صرح به أحد التلاميذ الذي رفض الكشف عن هويته، حيث أكد أنهرفقة بعض زملائه في الثانوية يغتنمون أيام الإضراب في تنظيم جولات
سياحية إلى تلمسان، وبعض الشواطئ من دون أن يكشفوا ذلك لأوليائهم الذين يظنون أنهملازالوا في الثانوية، حيث يتم تنظيم حملة لجمع المال بين التلاميذ الراغبين في الاستفادة منجولات ترفيهية، ثم الاتفاق مع أحد ملاك الحافلات من نوع تويوتا ويكون الانطلاق علىالساعة السابعة والنصف باتجاه الأماكن السياحية مثل الشواطئ والغابات، وما قد يصاحبهمن مخاطر تتهدد حياة التلاميذ.
الأساتذة يحملون المسؤولية للأولياء والمساعدين التربويين
من جهته، حمل أحد الأساتذة المضربين مسؤولية التجاوزات التي تحدث خلال أيام الإضرابللمساعدين التربويين الذين حسبهم يصبحون في مقام الأساتذة لحظة خروج المربي منالقسم أو في حال تغيبه أو دخوله في إضراب، كما طالب بالضرب بيد من حديد كل مساعدتربوي يتورط في تسهيله مهمة وقوع المحظور والتسامح مع التلاميذ وتركهم يفعلون مايشاءون، المهم تمرير ساعات الإضراب، ثم تركهم يغادرون المؤسسات التربوية بعدحضورهم الدروس الخاصة بالأساتذة غير المعنيين بالحركة الاحتجاجية، داعيا الأولياء إلىحراسة أبنائهم ومراقبة سلوكاتهم.